الديمقراطية التعيسة
من عجائب المغرب أن هناك مواضيع يتفق عليها كل، لأسباب مختلفة بطبيعة الحال، لكن الإتلاف موجود: العدمي و المخزني و السياسي لهم مصلحة مشتركة في عدم توسيع اللوائح الإنتخابية. المخزني و السياسي ينتفعان لأن نسبة المشتركة تسجل إرتفاعا مصطنع كما سأبرهن عليه لاحقا، و العدمي يجد لنفسه الحجة الدامغة أن الإنتخابات غير شرعية لأنها همشت جزء كبيرا من المواطنين المغاربة، و النتائج ليست مبينة على قاعدة الديمقراطية. لذلك أترقب ركود في عدد المغاربة المسجلون، و كذا عدد المشاركين الفعليين في الإنتخابات بصفة عامة. التوافق هنا لصالح تقليص عدد المصوتين: للدولة و مسانديها عملية سهلة لإشهار “إستقرار المشروع الديمقراطي”، للمعارضة و جزء من المجتمع المدني، حجة “المهزلة الإنتخابية”. أما المعني الأول، فالمواطن فقد الأمل في الديمقراطية اللبرالية، أو فقد الإهتمام كليا
أود أولا مناقشة أطروحة الفريق العدمي: لا ديمقراطية بدون أغلبية، في حين دول ذات تقاليد إنتخابية قوية لا تسجل مبتغى الأغلبية المطلقة، كما أشرت له في تدوينة سابقة، غالبية الإنتصارات العارمة في الولايات المتحدة، أو المملكة المتحدة لم تلزمها أغلبية مطلقة من المصوتين: الإنتخابات التشريعية ل1945 التي قادت الحزب العمالي البريطاني للحصول على 47 في المئة من الأصوات و على ثلثي المقاعد مثلا. هذا في حين كانت نسبة المشاركة مرتفعة، لكن هذا يعني أيضا أن فوز العمالي كان فقط بثلث أصوات البريطانيين في سن التصويت، ولا أحد عارض نتيجة التصويت، لأن الديمقراطية الإنتخابية ليست مسألة الحصول على أغلبية مطلقة، بل تعبئة عدد كافي من المصوتين لإبعاد كل عامل يزعزع الأغلبية البرلمانية
لو كان للمغرب نظام إنتخابي يشابه المنطومة الأنغلوساكسونية، لكان للحزب الأول في المغرب الآن، حزب العدالة و التنمية، أغلبية مطلقة في البرلمان، و كان المسؤول الوحيد عوض مواجة إجراه تكوين إتلاف حكومي، و هذا تفصيل سأتطرق له في حين تدهور حال اللوائح الإنتخابية بدأ بعد تشريعية 2007: عدد المنتحبين وصل 15 مليون نسمة، ثم إنخفض إلى حوالي 13 مليون، و بقي في ذلك المستوى إلى حدود 2013، حين نشرت وزارة الداخلية موقع التسجيل على اللوائح الإنتخابية، و الإحصائيات توضح أن عدد المسجلين إنخفض ب 156.000 ناخب، أي حوالي نصف عدد الأصوات كل الأحزاب التي شاركت في الإنتخابات التشريعية لنونبر 2011، و التي لم تحصل على مقعد
كيف يمكن أن يكون تدهور عدد الناخبين خبرا سار؟ أولا توضح الإحصائيات منذ 1963 أن عدد الناخبين مستقر، يتراوح بين 5.1 و 4.7 مليون نسمة. هذا عدد الناخبين الذين يصوتون على حزب ما، أي أنه يستثني الأصوات الملغات
الإنخفاض المسجل بين 2007 و 2009 سببه العزوف التام للفئة العمرية بين 18 و 25 سنة من التسجيل في اللوائح الإنتخابية: سنة 2002 حوالي نصف الشباب الناخب كان مسجلا في اللوائح الإنتخابية، في حين إنخفض بنصف مليون بين 2007 و 2013. هذا يعني أساسا أن عدد الناخبين سيسجل إتجاه إنخفاضي يتراوح بين 13 و 14 ميلون نسمة

النظام الحالي للوائح و الإتجاه التنازلي لعدد الشباب السجلين سينتج طفوح في عدد الناخبين، ثم إنخفاض خفيف
leave a comment